كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



99- ثم قال جل وعز: {نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا} قيل كان النسيان من موسى صلى الله عليه وسلم أن يتقدم إلى يوشع بشئ من أمر الحوت وكان النسيان من يوشع عليه السلام يخبره بسربه بن وقيل أن يقدمه ثم قال: {فاتخذ سبيله في البحر سربا} السرب في اللغة المذهب والمسلك.
100- وقوله جل وعز: {قال ذلك ما كنا نبغ} أي الذي كنا نبغي لأنه وعد أن يلقى الخضر في الموضع الذي ينسرب فيه.
101- ثم قال جل وعز: {فارتدا على آثارهم قصصا} أي رجعا في الطريق الذي سلكاه يقصان الأثر قصصا والقصص أتباع الأثر.
102- وقوله جل وعز: {فوجدوا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما} يعني به الخضر وقيل إنما سمى الخضر لأنه كان إذا صلى في مكان اخضر ما حوله وفيما فعله موسى وهو من جله الأنبياء وقد أوتى التوراة من طلبه العلم والرحلة في ذلك ما يدل على أنه لا ينبغي لأحد أن يترك طلب العلم وإن كان قد بلغ نهايته وأحاط بأكثر ما يدركه أهل زمانه وأن يتواضع لمن هو أعلم منه.
103- وقوله جل وعز: {قال له موسى هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا} هذا سؤال الملاطف والمخاطب المبالغ في حسن الأدب والمعنى هل يتفق لك ويخف عليك أن تأذن لي في مرافقتك لأقتبس من علمك ما يرشدني وهذا كما في الحديث هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ والرشد والرشد بمعنى واحد وهو كثير في اللغة العربية نحو البخل والبخل والعرب والعرب.
104- وقوله جل وعز: {قال إنك لن تستطيع معي صبرا} هذا قول الخضر لموسى ثم أعلمه العلة في ترك الصبر فقال: {وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا} أي وكيف تصبر على ما ظاهره خطأ ولم تخبر بوجه الحكمة فيه والأنبياء لا يقرون على منكر ولا يسعهم التقرير أي لا يسعك السكوت جريا على عادتك وحكمك.
105- وقوله جل وعز: {قال ستجدني إن شاء الله صابرا} هذا قول موسى للخضر أي سأصبر بمشيئة الله {ولا أعصي لك أمرا} أي قد ألزمت نفسي طاعتك ولن أعصي أمرك إن شاء الله.
106- وقوله جل وعز: {قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شئ حتى أحدث لك منه ذكرا} أي إن أنكرته هذه فلا تعجل بالمسألة إلى أن أبين لك الوجه فيه وحتى أكون أنا الذي أفسره لك شرط عليه قبل بدء الرحله ألا يسأله ولا يستفسر عن شئ من تصرفاته حتى يكشف له عن سرها فقبل موسى شرطه رعاية لأدب المتعلم مع العالم.
107- وقوله جل وعز: {فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها} انطلق موسى والخضر يمشيان على ساحل البحر حتى مرت بهما سفينه فعرفوا الخضر فحملوهما بدون أجر فلما ركبا في السفينة عمد الخضر إلى فأس فقلع لوحا من ألواح السفينة بعد أن أصبحت في لجة البحر فذلك قوله تعالى: {حتى إذا ركبا في السفينة خرقها} أي خرقها الخضر.
108- وقوله جل وعز: {قال أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا} أي قال له موسى منكرا عليه أخرقت السفينة لتغرق ركابها لقد فعلت شيئا عظيما هائلا ومعنى {إمرا} أي شيئا عظيما من المنكر ويروي أن موسى لما رأى ذلك أخذ ثوبه فجعله مكان الخرق ثم قال للخضر قوم حملونا بغير أجر عمدت إلى سفينتهم فخرقتها لتغرق أهلها لقد فعلت أمرا هائلا عظيما {قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا} أي قال له الخضر ألم أخبرك من أول الأمر إنك لا تستطيع أن تصبر على ما ترى من صنيعي ذكره بلطف في مخالفته للشرط.
109- ثم قال جل وعز: {قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا} معنى ترهقني تغشيني سنة أي عاملني باليسر لا بالعسر روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كانت الأولى من موسى نسيانا وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر في البحر نقرة فقال له الخضر ما علمي وعلمك من علم الله تعالى إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر».
110- وقوله جل وعز: {فانطلقا حتى إذا لقيا غلاما فقتله} أي فقبل عذره وانطلقا بعد نزولهما من عمرو السفينة يمشيان فمرا بغلمان قبل يلعبون وفيهم غلام وضئ الوجه جميل الصورة فأمسكه الخضر واقتلع رأسه بيده ثم رماه في الأرض {قال أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا} أي قال له موسى أقتلت نفسا طاهرة بريئة لم تذنب قط ولم تقتل نفسا حتى تقتل به لقد فعلت شيئا منكرا عظيما لا يمكن السكوت عنه {قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا} أي قال له الخضر ألم أخبرك أنك لن تستطيع الصبر على ما ترى مني وقره في الأول ثم واجهة بكاف الخطاب بقوله: {لك} لعدم العذر هنا ومعنى زكية أي بريئة لم ير ما يوجب قتلها وقال هنا {نكرا} أي منكرا فظيعا أنكر من الأمر الأول وهو أبلغ من قوله: {إمرا} في الآية السابقة وهو منصوب على ضربين احدهما معناه أتيت شيئا نكرا والثاني معناه جئت بشئ نكر فلما حذف الباء أفضى إلى الفعل فنصبه.
111- ثم قال جل وعز: {قال إن سألتك عن شئ بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا} أي إن انكرت عليك بعد هذه المرة واعترضت على ما يصدر منك فلا تصحبني معك فقد أعذرت إلى ونبهتني يحيى على مخالفتي الشرط فأنت معذور عندي.
112- وقوله جل وعز: {فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها} أي مشيا حتى وصلا إلى قرية فطلبا طعاما فلم يعطوهما واستضافاهم فلم يضيفوهما قال ابن عباس هي انطاكية وقال ابن سيرين هي الأيلة.
113- ثم قال تعالى: {فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه} والمعنى وجدا في القرية حائطا مائلا يوشك أن يسقط ويقع فمسحه الخضر بيده فاستقام وقيل إنه هدمه ثم بناه وروى أن موسى قال للخضر قوم استطعمناهم فلم يطعمونا وضفناهم فل يضيفونا ثم قعدت تبني لهم الجدار لو شئت لتخذت عليه أجرا وقوله تعالى: {يريد أن ينقض} أي يوشك أن يسقط وهذا مجاز وتوسع وهو في كلام العرب وأشعارها كثير فمن ذلك قول عنترة:
وازور من وقع القنا بلبانه ** وشكا إلى بعبرة وتحمحم

وقول الآخر:
يريد الرمح صدر أبي براء ** ويرغب عن دماء بني عقيل

114- وقوله جل وعز: {قال هذا فراق بيني وبينك} سيبويه يذهب إلى أن إعادة بين في مثل هذا على التوكيد أي فراق بيننا كما يقال أخزى الله الكاذب مني ومنك أي منا.
115- وقوله جل وعز: {أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر} أهل اللغة جميعا لا نعلم بينهم اختلافا يقولون المسكين الذي لا شئ له والفقير الذي له الشئ اليسير وأكثر الفقهاء على ضد هذا فيهما ويحتجون بهذه الآية قال أبو جعفر قيل وليس قوله: {كانت لمساكين يعملون في البحر} يدل على أنهم كانوا يملكونها ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من باع عبدا له مال فماله للبائع» فليس قوله: «له مال» مما يوجب أنه يملكه وهذا كثير جدا منه قول الله جل وعز: {وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت} ومنه قولهم باب الدار وجل الدابة والأشياء تضاف إلى الأشياء ولا يوجب ذلك ملكا فأضيفت إليهم لأنهم كانوا يعملون فيها كما أضيف المال إلى العبد لأنه معه والاشتقاق يوجب ما قال أهل اللغة لأن مسكينا مأخوذ من السكون وهو عدم الحركة فكأنه بمنزلة الميت والفقير كأنه الذي كسر فقاره فقد بقيت له بقية.
ويدل على هذا أيضا حديث النبي صلى الله عليه وسلم حدثنا أحمد بن منصور الحاسب قال حدثنا علي بن الجعد قال أنبأنا حماد ابن سلمة عن محمد بن زياد قال سمعت أبا هريره يقول سمعت أبا القاسم عليه السلام يقول «إن المسكين ليس بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان والأكله والأكلتان ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ويسأل الناس إلحافا».
116- وقوله جل وعز: {وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا} روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ: {وكان أمامهم ملك} قال أبو جعفر في وراء ها هنا قولان أحدهما أنه بمعنى أمام والآخر أنه بمعنى خلف على بابه كأنه قال على طريقهم إذا رجعوا والقول الأول أحسن لقراءة ابن عباس رحمه الله به وأن اللغة تجيزه لأن ما توارى عنك فهو وراء فهذا يقع لما كان أماما ثم قال يأخذ كل سفينه غصبا وقرأ عثمان رحمه الله {كل سفينه صالحة غصبا}.
117- ثم قال جل وعز: {وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين} روى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قرأ: {وكان أبواه مؤمنين} وكان كافرا وروى أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «طبع على الكفر فألقى على أبويه محبته».
118- ثم قال جل وعز: {فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما} قال أبو حاتم هذا من كلام صاحب موسى يعني الخضر وقال غيره هو من قول الله جل وعز فإن قال قائل كيف يجوز أن يكون {فخشينا} إخبارا عن الله فالجواب عنه أن الفراء قال فخشينا بمعنى فعلمنا كما يقال ظننا بمعنى علمنا وقال البصريون يقال خشيت الشئ بمعنى كرهته وبمعنى فزعت منه كما يقال للرجل أخشى أن يكون كذا وكذا أي أكره وقال الأخفش وفي قراءة أبي {فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا} وقال غيره وكذلك هو في مصحف عبد الله والكلام في خفت وخشيت واحد حكى الأخفش خفت أن تقولا بمعنى كرهت أن تقولا ومعنى {أن يرهقهما} أن يلحقهما أي أن يحملهما على الرهق وهو الجهل وقال أبو زيد أرهقته كلفته.
119- وقوله جل وعز: {فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما} قال ابن جريج زكاة أي إسلاما وقال الفراء إصلاحا قال ابن جريج وحدثني عبد الله بن عثمان بن خشم عن سعيد بن جبير قال أبدلا منه جارية قال ابن جريج وهما بها أرحم قال ابن عباس أبدلا منه جارية فولدت نبيا وحكى الفراء رحمته رحمة ورحمة وحكى الأصمعي عن أبي عمرو بن العلاء رحمة الله رحما. ويجوز على مذهب الخليل رحما بالفتح.
120- وقوله جل وعز: {وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما} قال سعيد بن جبير ومجاهد علم وقال قتادة وعكرمة مال وهذا القول أولى من جهة اللغة لأنه إذا قيل عند فلان كنز فإنما يراد به المال المدفون والمدخر فإن أراد غير ذلك بين فقال عنده كنز علم وكنز فهم ويحتمل أن يكون كما روى أنه لوح من ذهب مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله فهذا يجمع المال والعلم.
121- وقوله جل وعز: {وما فعلته عن أمري ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا} يدل على أن ذلك كان بوحي.
122- وقوله جل وعز: {ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا} روى أبو الطفيل أن ابن الكوّا سأل علي بن أبي طالب رضى الله عنه عن ذي القرنين أكان نبيا أو ملكا فقال لم يكن نبيا ولا ملكا ولكن كان عبدا صالحا أحب الله فأحبه ونصح الله فنصحه الله ضرب على قرنه الأيمن فمات فبعثه الله ثم ضرب على قرنه الأيسر فمات ففيكم مثله قال أبو جعفر وهذا أجل اسناد روى في تسميه بذي القرنين وقد قيل كانت له ضفيرتان وقيل لأنه بلغ قطري الأرض المشرق والمغرب قال محمد بن إسحاق حدثني من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علمه إن ذا القرنين كان رجلا من أهل مصر اسمه مرزبان بن مردبة اليوناني من ولد يونان بن يافث بن نوح قال ابن هشام واسمه الاسكندر وهو الذي بنى الاسكندرية فنسبت إليه قال محمد بن إسحق وقد حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان الكلاعي وكان رجلا قد أدرك الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ذي القرنين فقال ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب وقال خالد سمع عمر بن الخطاب رحمه الله عليه رجلا يقول يا ذا القرنين فقال عمر اللهم غفرا أما رضيتم أن تسموا بالنبيين حتى تسميتم بالملائكة.
123- وقوله جل وعز: {إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا} روى على بن أبي طلحة عن ابن عباس قال علما والمعنى على هذا التفسير علما يصل به إلى المسير في أقطار الأرض 124- ثم قال تعالى: {فأتبع سببا} روى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال منزلا وطريقا بين المشرق والمغرب.
125- ثم قال جل وعز: {حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة} قرأ عبد الله ابن مسعود وابن الزبير {حامية} وقرأ ابن عباس {حمئة} قال أبو جعفر حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال حدثنا محمد بن عبد الملك قال حدثنا يزيد بن هارون قال حدثنا عمرو بن ميمون قال سمعت أبا حاضر يقول سمعت ابن عباس يقول كنت عند معاوية فقرأ: {تغرب في عين حامية} فقلت ما نقرؤها إلا {حمئة} فقال لعبد الله بن عمرو كيف تقرؤها يا عبد الله بن عمرو قال كما قرأتها يا أمير المؤمنين فقلت في بيتي يا أمير المؤمنين أنزل القرآن فأرسل معاوية إلى كعب فقال أين تجد الشمس تغرب في التوراة فقال أما في العربية فأنتم أعلم بها وأما أنا فأجد الشمس في التوراة تغرب في ماء وطين وأشار بيده إلى المغرب فقلت لابن عباس لو كنت عندك فرفدتك الرحمن بكلمة تزداد بها بصيرة في حمئة قال ابن عباس ما هي قلت فيما نأثر من قول تبع فيما ذكر به ذا القرنين من قوله:
بلغ المشارق والمغارب يبتغي ** أسباب أمر من حكيم مرشد

فرأى مغيب الشمس عند غروبها ** في عين ذي خلب وثاط حرمد

فقال ابن عباس ما الخلب فقال الطين بكلامهم قال وما الثاط قلت الحمأة قال وما الحرمد قلت الأسود قال أبو جعفر فهذا تفسير الحمأة يقال حمئت البئر إذا صارت فيها الحمأة وأحمأتها ألقيت فيها الحمأة وحمأتها وكان أخرجت منها الحمأة فأما قراءة من قرأ: {حامية} فيحتمل معنيين أحدهما أن يكون المعنى حمئة فكأنه قال حامئة أي ذات حمأة ثم خففت الهمزة والمعنى الآخر أن يكون بمعنى حارة ويحوز أن تكون حارة وهي ذات حمأ والله أعلم بحقيقته قال القتبي يجوز أن تكون هذه العين من البحر ويجوز أن تكون الشمس تغيب وراءها أو معها أو عندها فيقام حرف الصفة مقام صاحبة والله اعلم بذلك.